قراءات في سقوط مرسي
هيثم عميرة فرناندث
أتيحت لجماعة الإخوان المسلمين في مصر قبل عام فرصة تاريخية لإثبات أنها قوة سياسية ذات مصداقية وأن بإمكانها الحكم لصالح المجتمع كله، ومع ذلك فشلت في انتهاز تلك الفرصة. محمد مرسي هو الشخص الوحيد الذي كان بإمكانه تجنب الاستقطاب في المجتمع المصري في كل قرار مهم إتخذه، ولكنه على مدى عام كامل فعل العكس تماما وقاد البلاد الى إنقسام اجتماعي لم يسبق له مثيل.
سيذكر التاريخ محمد مرسي كأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، ولكنه في نفس الوقت كان الرئيس الذي قسم البلاد بين منتقدين وأوفياء في زمن قياسي. على الرغم من أن اختيار مرسي تم عن طريق انتخابات حرة، إلا أن كثير من المصريين رأوا أن القرارات الهامة لم يكن هو الذي يتخذها، وإنما المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، ومعه مكتب الارشاد الذي يعتبر الهيئة التنفيذية الرئيسية لجماعة الإخوان ويتكون من أقل من عشرين عضو لم يتم انتخابهم ديمقراطيا من قبل الشعب المصري.
نتائج الإخوان المسلمين في الانتخابات المتعاقبة كانت في سقوط مستمر، وكذلك شعبيتهم. هذه الظاهرة عكست عدم الثقة تجاههم من قبل العديد من المصريين الذين رأوا أن الإخوان جماعة مغلقة تركز على مصالحها الخاصة. كان ينبغي على مرسي أن يبني جسورا مع القوى السياسية الأخرى ويخلق مناخا من الثقة تجاه المجتمع، حتى لو كان من أجل عدم تلقيه كل اللوم في حال فشل سياساته. ومع ذلك، مع كل خطوة جديدة أتخذها أكد المخاوف والشكوك لدى أولئك الذين لم يدلوا بأصواتهم له (وكذلك لدى العديد ممن صوتوا لصالحه). ما يثير الدهشة هو أن الإخوان المسلمين قبلوا استفراد الحكم رغم خطر تلقيهم كل اللوم أثناء المرحلة الانتقالية المليئة بالصعوبات الاقتصادية والاجتماعية العميقة.
من الواضح أن الجيش المصري أجرى انقلابا في 3 يوليو وهو الذي أسقط مرسي. ومن الواضح أيضا أن تاريخ ذلك الجيش ليس مشهودا له بدعمه للديمقراطية. ومع ذلك، كان «الإنقلاب» فريدا من نوعه نظرا لأنه لم يكن الجيش هو الذي بدأ انقلابا ضد الحكومة، وإنما تحرك بعدما خرجت أعداد كبيرة من المواطنين إلى الشوارع للمطالبة بانتخابات رئاسية مسبقة، من بين أمور أخرى، دون أن يقدم الرئيس أي تنازلات بالمقابل.
علاوة على ذلك، فإن التدخل العسكري تم بصحبة ممثل المعارضة محمد البرادعي وإمام الأزهر والبابا القبطي ومدون شاب من حركة «تمرد» وممثل عن السلفيين، بالإضافة إلى دعم شعبي واسع، وهو ما يجعل التدخل العسكري مختلفا عن الانقلابات على الطريقة القديمة.
وقد عُرضت على مرسي مخارج عدة لحفظ ماء الوجه، لكن قيادات الإخوان رفضت تقديم أي تنازلات. بالإضافة إلى ذلك، الخطاب الذي القاه مرسي يوم الثلاثاء 2 يوليو جاء بنبرة تحد وخال من الفطنة السياسية ودون الوعي إلى أهمية تلك اللحظة بالإضافة إلى أداءه الركيك زاد الاستقطاب بين خصومه ومؤيديه. تكرراه أكثر من 70 مرة كلمة «الشرعية» في 45 دقيقة لم يساعد على إيجاد مخرج سياسي أو تهدئة المحتجين.
ما زال الوقت مبكرا لتقييم آثار سقوط مرسي في أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ما يبدو واضحا هو أن 30 يونيو 2013 سيمثل نقطة انعطاف في مستقبل الإسلام السياسي. يومها خرجت أكبر مظاهرات شعبية في تاريخ العرب الحديث، وكان هدفها إسقاط مشروع سياسي إسلامي. وعلى الرغم من الحديث عن «الخريف الإسلامي» الذي تطرق إليه البعض بعد سقوط بعض الطغاة العرب في عام 2011، فإن الواقع هو أن الملايين من المصريين المسلمين ـوأيضا الأقباط ـ رفضت حكومة سمت نفسها إسلامية لاعتبارها طائفية ومفتقرة للكفاءة. يتطلب هذا حدث الذي لم يسبق له مثيل مراجعة شاملة للمفاهيم المستخدمة في تحليل دور الإسلام السياسي في المجتمعات العربية.
مستقبل الإسلام السياسي يعتمد على ما يحدث في مصر الآن. تطور الأحداث سوف يحدد إذا ما الإسلام السياسي سيخرج من الصدمة الناجمة عن سقوط مرسي في حالة من الاعتدال أو التطرف. شباب الإخوان المسلمين سيلعبون دورا رئيسيا في المرحلة القادمة، وذلك لأن بعضهم يشعرون الآن بالاحباط تجاه زعمائهم الحاليين بسبب اضاعتهم للفرصة التاريخية لتطبيع وضعهم كقوة سياسية موثوقة وفعالة. وعلاوة على ذلك، قد تحاول الأحزاب السلفية الاستفادة من السياق الحالي لكسب أنصار داخل المعسكر الإسلامي. وذلك بالرغم من أن الحركة السلفية تفتقر إلى هيكل تنظيمي متين وبرنامج سياسي واقتصادي متماسك.
مصر تدفع اليوم ثمن ترشح النخب السياسية غير الاخوانية متفككة في الانتخابات الرئاسية العام الماضي (يجب الإشارة إلى أن 76٪ من الناخبين صوتوا ضد مرسي في الجولة الأولى). في الوقت الحاضر،و بعد «الانقلاب» العسكري المدعوم اجتماعيا على مدى واسع، هناك شكوك كبيرة حول مستقبل البلاد. أغلبية المصريين يأملون أن يكونوا قد تجنبوا أفق الانهيار الاقتصادي والحرب الأهلية الذي كان سيصل برأيهم إذا ما بقي مرسي رئيسا لثلاث سنوات أخرى حتى نهاية فترة ولايته.
ومع ذلك لا يمكن لأحد ضمان أن سيناريو الانهيار الاقتصادي والصراع المدني يمكن تجنبه الآن، خصوصا عندما توجد هناك حوافز لجر مواقف الاطراف المتناحرة نحو التطرف. فمن ناحية يرى أتباع مرسي أنه قد تم اغتصاب نصر حققوه في الانتخابات، وحتى بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين قد دعوا إلى الشهادة من أجل إرجاع مرسي. وفي الوقت نفسه يبدو أن الجيش مصمم على قمع المؤمنين بمرسي بقسوة حتى عن طريق ارتكاب مذابح اذا لم يكفوا عن مطالبهم. ما يبدو واضحا هو أن المصريين لن يسمحوا بالعودة إلى نموذج للاستقرار على أساس القمع كما كان من قبل، خاصة إذا رافقه إدارة فاشلة للشؤون العامة.
سيكون كارثيا لمستقبل مصر لو حدثت حملات انتقام أو حتى حظر ضد الإخوان المسلمين، فهم جزء لا يتجزأ من المجتمع المصري ويجب دمجهم في النظام السياسي المستقبلي شرط ألا يكون مستفردا به من قبل قوة سياسية واحدة. من الضروري الآن أن يخرج جيلا جديدا من الزعماء السياسيين المصريين، بما في ذلك الإسلاميين، الذين هم على اتصال مع المجتمع ولديهم المعرفة باحتياجات الشباب وكيفية الاستجابة لها.
مصر بحاجة ملحة للوصول إلى بعض الاتفاقات الأساسية بشأن القضايا الرئيسية مثل انعاش الاقتصاد الذي هو الآن على شفا الانهيار. أيضا يجب التوافق بسرعة بشأن الخطوات التالية لإصلاح النظام السياسي وصياغة دستور أكثر شمولية، فضلا عن تنفيذ عملية المصالحة الوطنية التي بامكانها خفض التوتر الاجتماعي وتسهيل التعايش. في غياب قيادات سياسية حكيمة في هذه الظروف الحرجة للغاية قد تُجر مصرإلى دوامة من الفوضى، مما سيكون له تداعيات خطيرة خارج حدودها.